السؤال الأول : كيف يحسن من الجود أن يمن بنعمة، فيقول :﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فاوى﴾ ؟ والذي يؤكد هذا السؤال أن الله تعالى حكى عن فرعون أنه قال :﴿أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ [ الشعراء : ١٨ ] في معرض الذم لفرعون، فما كان مذموماً من فرعون كيف يحسن من الله ؟ الجواب : أن ذلك يحسن إذا قصد بذلك أن يقوي قلبه ويعده بدوام النعمة، وبهذا يظهر الفرق بين هذا الامتنان وبين امتنان فرعون، لأن امتنان فرعون محبط، لأن الغرض فما بالك لا تخدمني، وامتنان الله بزيادة نعمه، كأنه يقول : مالك تقطع عني رجاءك ألست شرعت في تربيتك، أتظنني تاركاً لما صنعت، بل لا بد وأن أتمم عليك وعلى أمتك النعمة، كما قال :﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى﴾ [ البقرة : ١٥٠ ] أما علمت أن الحامل التي تسقط الولد قبل التمام معيبة ترد، ولو أسقطت أو الرجل أسقط عنها بعلاج تجب الغرة وتستحق الذم، فكيف يحسن ذلك من الحي القيوم، فما أعظم الفرق بين مان هو الله، وبين مان هو فرعون، ونظيره ما قاله بعضهم :﴿ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [ الكهف : ٢٢ ] في تلك الأمة، وفي أمة محمد :﴿مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [ المجادلة : ٧ ] فشتان بين أمة رابعهم كلبهم، وبين أمة رابعهم ربهم.


الصفحة التالية
Icon