وقال القرطبى :
﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) ﴾
عدد سبحانه مِنَنَه على نبيه محمدٍ ﷺ فقال :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ﴾ لا أب لك قد مات أبوك.
﴿ فآوى ﴾ أي جعل لك مأوى تأوِي إليه عند عمك أبي طالب، فكفلك.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق : لم أُوتِم النبي ﷺ من أبويه؟ فقال : لئلا يكون لمخلوق عليه حق.
وعن مجاهد : هو من قول العرب : درّة يتيمة ؛ إذا لم يكن لها مِثل.
فمجاز الآية : ألم يجدك واحداً في شرفك لا نظير لك، فآواك الله بأصحابٍ يحفظونك ويَحُوطونك.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)
أي غافلاً عما يراد بك من أمر النبوّة، فهداك : أي أرشدك.
والضلال هنا بمعنى الغفلة ؛ كقوله جل ثناؤه :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ [ طه : ٥٢ ] أي لا يغفل.
وقال في حق نبيه :﴿ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين ﴾ [ يوسف : ٣ ].
وقال قوم :﴿ ضَآلاًّ ﴾ لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك الله إلى القرآن، وشرائع الإسلام ؛ عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما.
وهو معنى قوله تعالى :﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] على ما بينا في سورة الشورى.
وقال قوم :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ ﴾ أي في قوم ضلال، فهداهم الله بك.
هذا قول الكلبي والفرّاء.
وعن السدي نحوه ؛ أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم.
وقيل :"ووجدك ضالاً" عن الهجرة، فهداك إليها.
وقيل :"ضالاً" أي ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فأذكرك ؛ كما قال تعالى :﴿ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ].
وقيل : ووجدك طالباً للقِبلة فهداك إليها ؛ بيانه :﴿ قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ] الآية.
ويكون الضلال بمعنى الطلب ؛ لأن الضال طالب.


الصفحة التالية
Icon