فانكب ( هُبَلُ ) على وجهه، وتساقطت الأصنام، وقالت : إليك عنا أيها الشيخ، فهلاكنا على يدي محمد.
فألقى الشيخ عصاه، وارتعد وقال : إن لابنكِ رباً لا يضيعه، فاطلبيه على مَهَل.
فانحشرت قريش إلى عبد المطلب، وطلبوه في جميع مكة، فلم يجدوه.
فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً، وتضرع إلى الله أن يردّه، وقال :
يا ربِّ رُدَّ ولدي محمدَا...
اردده ربي واتخذ عندي يدا
يا رب إنْ محمدٌ لم يُوجدا...
فشمل قومي كلهم تبدّدا
فسمعوا منادياً ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضِجوا، فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمداً بوادي تِهامة، عند شجرة السَّمُر.
فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل، فإذا النبيّ ﷺ قائم تحت شجرة، يلعب بالأغصان وبالورق.
وقيل :"ووجدك ضالاً" ليلة المِعراج، حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق، فهداك إلى ساق العرش.
وقال أبو بكر الورّاق وغيره :"ووجدك ضالاً" : تحب أبا طالب، فهداك إلى محبة ربك.
وقال بسام بن عبد الله :"ووجدك ضالاً" بنفسك لا تدري من أنت، فعرفك بنفسِك وحالك.
وقال الجنيدي : ووجدك متحيراً في بيان الكتاب، فعلمك البيان ؛ بيانه :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ النحل : ٤٤ ]...
الآية.
﴿ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الذي اختلفوا فِيهِ ﴾ [ النحل : ٦٤ ].
وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض، لا شجر معها، سموها ضالة، فيهتدي بها إلى الطريق ؛ فقال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ ﴾ أي لا أحد على دينك، وأنت وحيد ليس معك أحد ؛ فَهدَيتُ بك الخلقَ إليّ.
قلت : هذه الأقوال كلها حِسان، ثم منها ما هو معنويّ، ومنها ما هو حِسيّ.
والقول الأخير أعجب إليّ ؛ لأنه يجمع الأقوال المعنوية.