﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً ﴾ أيْ فقيراً وقُرِىءَ عَيُلاً وقُرِىءَ عديماً ﴿ فأغنى ﴾ فأغناكَ بمالِ خديجةَ أو بمالٍ حصلَ لكَ من ربحِ التجارةِ أو بمَا أفاءَ عليكَ من الغنائمِ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ :" جُعِلَ رِزْقِي تحتَ ظلِّ رُمْحِي " وقيلَ : قنعكَ وأَغْنى قلبكَ.
﴿ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ فلا تغلبْهُ على مالِه وقالَ مجاهدٌ : لا تَحْتقرْ وقُرىءَ فلاَ تَكْهَرْ أيْ فلا تعبسْ في وجهِه ﴿ وَأَمَّا السائل فَلاَ تَنْهَرْ ﴾ فلا تزجُرْ وَلاَ تُغلظْ لهُ القولَ بلْ رُدَّهُ ردًّا جميلاً قالَ أبراهيمُ بنُ أدهمَ : نعمَ القومُ السؤّالُ يحملونَ زادنَا إلى الآخرةِ وقالَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ : السائلُ يريدُ الآخرةَ يجيءُ إلى بابِ أحدِكُم فيقولُ : أتبعثونَ إلى أهليكُم بشيءٍ؟ وقيلَ : المرادُ بالسائلِ هاهنا الذي يسألُ عنِ الدينِ.
﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ ﴾ بشكرِهَا وإشاعتِها وإظهارِ آثارِها وأحكامِها أريدَ بهَا ما أفاضَهُ الله تعالَى عليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ من فنونِ النعمِ التي من جُملتِها النعمُ المعدودةُ الموجودةُ منهَا والموعودةُ والمَعْنى أنكَ كنتَ يتيماً وضالاًّ وعائلاً فآواكَ الله تعالَى وهداكَ وأغناكَ فمهمَا يكُنْ من شيءٍ فلا تنسَ حقوقَ نعمةِ الله تعالَى عليكَ في هذه الثلاثِ واقتدِ بالله تعالَى وأحسنْ كما أحسنَ الله إليكَ فتعطفَ على اليتيمِ فآوِه وترحمْ على السائلِ وتفقدهُ بمعروفكَ ولا تزجرهُ عن بابكَ وحدثْ بنعمةِ الله كُلِّها وحيثُ كانَ معظمُها نعمةَ النبوةِ فقدِ اندرجَ تحتَ الأمرِ هدايتُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ للضلالِ وتعليمُه للشرائعِ والأحكامِ حسبمَا هداهُ الله عزَّ وجلَّ وعلمَهُ من الكتابِ والحكمةِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾