وقوله جل قوله (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) الآية ٢ من سورة النجم الآتية قال الزمخشري في كشافه : من قال انه كان على دين قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه على خلوه من العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه على دين قومه، فمعاذ اللّه، أما ما قيل انه ضل في شعاب مكة وردّه فرعونه أبو جهل، وأنه أركبه وراءه فلم تقم الناقة فأركبه امامه فقامت وقالت يا أحمق هذا الإمام، فكيف يكون خلف المقتدي ؟ فكان ارجاعه إلى جده على ما يدعوه كإرجاع موسى لأمه، أو أنه ضل في طريق الشام واقتاد ناقته إبليس فنفحه جبريل ورد ناقته إلى طريقها، أو أنه ضل مرة أخرى في مكة فتعلق جده بأستار الكعبة وصار يتضرع إلى اللّه بردّه فسمع مناديا لا تضجوا فان محمدا لا يضيعه اللّه ربه وأنه بوادي تهامة.
فذهب إليه جده وورقة بن نوفل، فأتيا به من تحت شجرة يلعب عندها، أو أنه ضل عند مرضعته حليمة فهذا كله على فرض وقوعه حقيقة غير مقصود هنا لأنه من ضل الطريق إذا سلك غيره على أن إضلاله الطريق قد يؤدي إلى المقصود المقدر من علم اللّه مثل إضلال سيدنا موسى الآتي في الآية ٣٠ من سورة القصص الآتية قال ابن الفارض :
ما بين ضال المنحني وظلاله ضل المتيّم واهتدى بضلاله
ولكن نفس الأضلال لا يستوجب أن يعده اللّه عليه نعمة بالصورة المذكورة لأنه يقع لكل واحد، وانما القصد واللّه أعلم هو ما ذكرناه في تفسير الآية لإن الهداية منه نعمة كبرى لا تحصل لبشر غيره ولن تحصل أبدا "وَوَجَدَكَ عائِلًا"
ذا عيال فقير ليس لك شىء "فَأَغْنى ٨" فيسر لك ما أغناك به عن الناس ولم يحجك إلى أحد من خلقه إذ أرضاك بما أعطاك من القناعة التي وفرت في صدرك روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النّفس.


الصفحة التالية
Icon