فأبطأ عنه الوحي، وروي أنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار وههنا سؤالان.
السؤال الأول : الروايات التي ذكرتم تدل على أن احتباس الوحي كان عن قلى : قلنا أقصى ما في الباب أن ذلك كان تركاً للأفضل والأولى، وصاحبه لا يكون ممقوتاً ولا مبغضاً، وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل :" ما جئتني حتى اشتقت إليك، فقال جبريل : كنت إليك أشوق ولكني عبداً مأموراً " وتلا :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ﴾ [ مريم : ٦٤ ].
السؤال الثاني : كيف يحسن من السلطان أن يقول لأعظم الخلق قربة عنده : إني لا أبغضك تشريفاً له ؟ الجواب : أن ذلك لا يحسن ابتداء، لكن الأعداء إذا ألقوا في الألسنة أن السلطان يبغضه، ثم تأسف ذلك المقرب فلا لفظ أقرب إلى تشريفه من أن يقول له : إني لا أبغضك ولا أدعك، وسوف ترى منزلتك عندي.
المسألة الثالثة :
هذه الواقعة تدل على أن القرآن من عند الله، إذ لو كان من عنده لما امتنع.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)
واعلم أن في اتصاله بما تقدم وجوهاً أحدها : أن يكون المعنى أن انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لأنه عزل عن النبوة، بل أقصى ما في الباب، أن يكون ذلك لأنه حصل الاستغناء عن الرسالة، وذلك أمارة الموت فكأنه يقال : انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت، لكن الموت خير لك.