فإن مالك عند الله في الآخرة خير وأفضل مما لك في الدنيا وثانيها : لما نزل :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ [ الضحى : ٣ ] حصل له بهذا تشريف عظيم، فكأنه استعظم هذا التشريف فقيل له :﴿وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى﴾ أي هذا التشريف وإن كان عظيماً إلا أن مالك عند الله في الآخرة خير وأعظم وثالثها : ما يخطر ببالي، وهو أن يكون المعنى وللأحوال الآتية خير لك من الماضية كأنه تعالى وعده بأنه سيزيده كل يوم عزاً إلى عز، ومنصباً إلى منصب، فيقول : لا تظن أني قليتك بل تكون كل يوم يأتي فإني أزيدك منصباً وجلالاً، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : بأي طريق يعرف أن الآخرة كانت له خيراً من الأولى ؟ الجواب : لوجوه أحدها : كأنه تعالى يقول له إنك في الدنيا على خير لأنك تفعل فيها ما تريد، ولكن الآخرة خير لك لأنا نفعل فيها ما نريد وثانيها : الآخرة خير لك يجتمع عندك أمتك إذ الأمة له كالأولاد قال تعالى :﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وهو أب لهم، وأمته في الجنة فيكون كأن أولاده في الجنة، ثم سمى الولد قرة أعين، حيث حكى عنهم :﴿هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [ الفرقان : ٧٤ ] وثالثها : الآخرة خير لك لأنك اشتريتها، أما هذه ليست لك، فعلى تقدير أن لو كانت الآخرة أقل من الدنيا لكانت الآخرة خيراً لك، لأن مملوكك خير لك مما لا يكون مملوكاً لك، فكيف ولا نسبة للآخرة إلى الدنيا في الفضل ورابعها : الآخرة خير لك من الأولى لأن في الدنيا الكفار يطعنون فيك أما في الآخرة فأجعل أمتك شهداء على الأمم، وأجعلك شهيداً على الأنبياء، ثم أجعل ذاتي شهيداً لك كما قال :﴿وكفى بالله شَهِيداً * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله﴾ [ الفتح : ٢٩ ٢٨ ] وخامسها : أن خيرات الدنيا قليلة مشوبة منقطعة، ولذات الآخرة كثيرة خالصة دائمة.


الصفحة التالية
Icon