السؤال الثاني : لم قال :﴿وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ﴾ ولم يقل خير لكم ؟ الجواب : لأنه كان في جماعته من كانت الآخرة شراً له، فلو أنه سبحانه عمم لكان كذباً، ولو خصص المطيعين بالذكر لافتضح المذنبون والمنافقون.
ولهذا السبب قال موسى عليه السلام :﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ﴾ [ الشعراء : ٦٢ ] وأما محمد ﷺ فالذي كان معه لما كان من أهل السعادة قطعاً، لا جرم قال :﴿إِنَّ الله مَعَنَا ﴾
[ التوبة : ٤٠ ] إذ لم يكن ثم إلا نبي وصديق، وروي أن موسى عليه السلام خرج للاستسقاء، ومعه الألوف ثلاثة أيام فلم يجدوا الإجابة، فسأل موسى عليه السلام عن السبب الموجب لعدم الإجابة.
فقال : لا أجيبكم ما دام معكم ساع بالنميمة، فسأل موسى من هو ؟ فقال :( إني ) أبغضه فكيف أعمل عمله، فما مضت مدة قليلة حتى نزل الوحي بأن ذلك النمام قد مات، وهذه جنازته في مصلى، كذا فذهب موسى عليه السلام إلى تلك المصلى، فإذا فيها سبعون من الجنائز، فهذا ستره على أعدائه فكيف على أوليائه.
ثم تأمل فإن فيه دقيقة لطيفة، وهي أنه عليه السلام قال :" لولا شيوخ ركع " وفيه إشارة إلى زيادة فضيلة هذه الأمة، فإنه تعالى كان يرد الألوف لمذنب واحد، وههنا يرحم المذنبين لمطيع واحد.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)
واعلم اتصاله بما تقدم من وجهين الأول : هو أنه تعالى لما بين أن الآخرة : خير له من الأولى ولكنه لم يبين أن ذلك التفاوت إلى أي حد يكون.