فنزل جبريل بهذه السورة ؛ فقال النبيّ ﷺ :"ما جئت حتى اشتقت إليك" فقال جبريل :"وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً، ولكني عبد مأمور" ثم أنزِل عليه ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ [ مريم : ٦٤ ] "
"ودّعك" بالتشديد : قراءة العامة، من التوديع، وذلك كتوديع المُفارق.
وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرأاهُ "وَدَعك" بالتخفيف، ومعناه : تركك.
قال :
وثم وَدَعْنا آلَ عمرو وعامر...
فرائسَ أطراف المثقفة السمْرِ
واستعماله قليل.
يقال : هو يدع كذا، أي يتركه.
قال المبرد محمد بن يزيد : لا يكادون يقولون وَدَعَ ولا وَذَرَ، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنها بترك.
قوله تعالى :﴿ وَمَا قلى ﴾ أي ما أبغضك ربك منذ أحبك.
وترك الكاف، لأنه رأس آية.
والقِلَى : البغض ؛ فإن فتحت القاف مددت ؛ تقول ؛ قلاه يقلِيه قِلًى وقَلاَء.
كما تقول ؛ قريت الضيف أقرِيه قِرًى وقَرَاء.
ويقلاه : لغة طيء.
وأنشد ثعلب :
أيامَ أمِّ الغمْر لا نقْلاها...
أي لا نُبغضها.
ونَقْلِي أي نُبغض.
وقال :
أسِيئي بنا أو أحْسِنِي لا ملومةٌ...
لدينا ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ
وقال امرؤ القيس :
ولستُ بمقلِيّ الخِلال ولا قالِ...
وتأويل الآية : ما ودّعك ربك وما قلاك.
فترك الكاف لأنه رأس آية ؛ كما قال عز وجل :﴿ والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] أي والذاكراتِ الله.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)
روى مسلمة عن ابن إسحاق قال :﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى ﴾ أي ما عندي في مرجعك إليّ يا محمد، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا.
وقال ابن عباس : أُرِي النبيّ ﷺ ما يفتح الله على أمته بعده ؛ فسُرّ بذلك ؛ فنزل جبريل بقوله :﴿ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ﴾.