و قرن طاعته بطاعته فقال :(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية ٥٩ من النساء ج ٥ وكررها معنى ولفظا في الآية ١٧ من الأحزاب و١٤ من التوبة و٣١ و٣٢ من آل عمران وكررها في الآية ٨٠ من النساء في ج ٣ وقرن خوفه بخوفه، ورضاه برضاه، ومحبته بمحبته، وغضبه بغضبه، وهكذا قد ذكره اللّه في كتب الأنبياء، ولا يخفى أن حضرة الرسول إبّان بعثته كان مقلا مخفا من الأموال والمواشي وكانت قريش تعيره بالفقر حتى أنهم صاروا يقولون له عند ما يدعوهم إلى اللّه : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا، فاغتم لذلك وظن إنما كذبه ت (١١)
قومه لفراغ ذات يده، وكان يحزن ويغتم لهذه الغاية لأنه منشرح الصدر بما هو فيه من فضل ربه ويراه غنيا إذ لا هم له في الدنيا ولا في أهلها إلا بغية إيمانهم قال ابن الفارض :
وتعذيبكم عذب لديّ وجوركم عليّ بما يقضي الهوى لكم عدل
فعدد اللّه عليه نعمه في هذه السورة تسلية لجنابه الشريف عما خامره من الغم ووعده الغنى فقال "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ٥" أي لا يحزنك قولهم فإن مع الشدة فرجا وإن لك مما تقاسيه مخرجا، ثم كرر الوعد تأكيدا وتمكينا فقال "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ" الذي أنت فيه "يُسْراً ٦" قريبا بإظهاري إياك عليهم وإعلاء كلمتك وتقدير النصر لك حتى تغلبهم وتغنم ما عندهم، قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال صلّى اللّه عليه وسلم : أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين.
وذلك لأنه جل ذكره كرر العسر بلفظ المعرفة، والمعرفة إذا كررت كانت غير الأولى، وكرر اليسر بلفظ النكرة والنكرة إذا كررت كانت غير الأولى، فصار يسران تجاه عسر واحد ولن يغلب الواحد الاثنين غالبا.


الصفحة التالية
Icon