والقول الثاني : إن المراد من شرح الصدر ما يرجع إلى المعرفة والطاعة، ثم ذكروا فيه وجوهاً :
أحدها : أنه عليه السلام لما بعث إلى الجن والإنس فكان يضيق صدره عن منازعة الجن والإنس والبراءة من كل عابد ومعبود سوى الله، فآتاه الله من آياته ما اتسع لكل ما حمله وصغره عنده كل شيء احتمله من المشاق، وذلك بأن أخرج عن قلبه جميع الهموم وما ترك فيه إلا هذا الهم الواحد، فما كان يخطر بباله هم النفقة والعيال، ولا يبالي بما يتوجه إليه من إيذائهم، حتى صاروا في عينه دون الذباب لم يجبن خوفاً من وعيدهم، ولم يمل إلى مالهم، وبالجملة فشرح الصدر عبارة عن علمه بحقارة الدنيا وكمال الآخرة، ونظيره قوله :﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] وروي أنهم قالوا : يا رسول الله أينشرح الصدر ؟ قال : نعم، قالوا : وما علامة ذلك ؟ قال :" التجافي عن الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله " وتحقيق القول فيه أن صدق الإيمان بالله ووعده ووعيده يوجب للإنسان الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والاستعداد للموت وثانيها : أنه انفتح صدره حتى أنه كان يتسع لجميع المهمات لا يقلق ولا يضجر ولا يتغير، بل هو في حالتي البؤس والفرح منشرح الصدر مشتغل بأداء ما كلف به، والشرح التوسعة، ومعناه الإراحة من الهموم، والعرب تسمي الغم والهم ضيق صدر كقوله :
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ﴾ [ الحجر : ٩٧ ] وههنا سؤالات :