الأول : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟
والجواب : لأن محل الوسوسة هو الصدر على ما قال :﴿يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ الناس﴾ [ الناس : ٥ ] فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب، وقال محمد بن علي الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذي يقصده الشيطان، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكاً أغار فيه ونزل جنده فيه، وبث فيه من الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حيئنذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة، وإذا طرد العدو في الابتداء منع وحصل الأمن ويزول الضيق وينشرح الصدر ويتيسر له القيام بأداء العبودية.
السؤال الثاني : لم قال :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ ولم يقل ألم نشرح صدرك ؟
والجواب : من وجهين
أحدهما : كأنه تعالى يقول لام بلام، فأنت إنما تفعل جميع الطاعات لأجلي كما قال :﴿إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ]، ﴿أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى﴾ [ طه : ١٤ ] فأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك
وثانيها : أن فيها تنبيهاً على أن منافع الرسالة عائدة إليه عليه السلام، كأنه تعالى قال : إنما شرحنا صدرك لأجلك لا لأجلي.
السؤال الثالث : لم قال :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ ولم يقل ألم أشرح ؟
والجواب : إن حملناه على نون التعظيم، فالمعنى أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة لا تصل العقول إلى كنه جلالتها، وإن حملناه على نون الجميع، فالمعنى كأنه تعالى يقول : لم أشرحه وحدي بل أعملت فيه ملائكتي (١)، فكنت ترى الملائكة حواليك وبين يديك حتى يقوي قلبك، فأديت الرسالة وأنت قوي القلب ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جواباً، فلو كنت ضيق القلب لضحكوا منك، فسبحان من جعل قوة قلبك جبناً فيهم، وانشراح صدرك ضيقاً فيهم.

(١) الراجح ـ والله أعلم ـ الوجه الأول، وأما هذا القول ففى غاية البعد، وهذه الآية كقوله تعالى فى سورة النساء ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦) ﴾، فكما أن شهادته تعالى تغنى عن شهادة غيره فكذلك شرحه لصدر حبيبه ومصطفاه ـ ﷺ ـ يغنى عن شرح من سواه. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon