وقال القرطبى :
﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) ﴾
أي إن مع الضَّيقة والشدّة يسراً، أي سعة وغِنى.
ثم كرر فقال :﴿ إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾، فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام ؛ كما يقال : اِرمِ اِرمِ، اِعجَلْ اعجَلْ ؛ قال الله تعالى :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣ ٤ ].
ونظيره في تكرار الجواب : بَلى بَلى، لا، لا.
وذلك للإطناب والمبالغة ؛ قاله الفرّاء.
ومنه قول الشاعر :
هَممتُ بنفسِيَ بعضَ الهموم...
فأولَى لنفسي أولَى لها
وقال قوم : إن من عادة العرب إذا ذكروا اسماً معرّفاً ثم كرّروه، فهو هو.
وإذا نكَّروه ثم كرّروه فهو غيره.
وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر ؛ قاله ثعلب.
وقال ابن عباس : يقول الله تعالى خلقت عُسْراً واحداً، وخلقت يُسْرين، ولن يغلِب عسر يسرين.
وجاء في الحديث عن النبيّ ﷺ في هذه السورة أنه قال :" لن يغلِب عسر يسرين " وقال ابن مسعود : والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حَجَر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ؛ ولن يغلب عسر يسرين.
وكتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم، وما يُتخوّف منهم ؛ فكتب إليه عمر رضي الله عنهما : أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من مَنزِل شِدّة، يجعل الله بعده فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ آل عمران : ٢٠٠ ].
وقال قوم منهم الجُرْجانِيُّ : هذا قول مدخول ؛ لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً، إن مع الفارس سيفاً، أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنان.


الصفحة التالية
Icon