كُلِّ سافلٍ لعدمِ جريانِه على موجبِ ما خلقناهُ عليهِ منَ الصفاتِ التي لو عملَ بمقتضاهَا لكانَ في أعْلَى عليينَ وقيلَ : رددناهُ إلى أرذلِ العمرِ وهُو الهرمُ بعدَ الشبابِ والضعفُ بعدَ القوةِ كقولِه تعالَى :﴿ وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِى الخلق ﴾ وأياً ما كانَ فأسفلُ سافلينَ إمَّا حالٌ منَ المفعولِ أيْ رددناهُ حالَ كونِه أسفلَ سافلينَ أو صفةٌ لمكانٍ محذوفٍ أيْ رددناهُ مكاناً أسفلَ سافلينَ والأولُ أظهرُ وقُرِىءَ أسفلَ السافلينَ.
وقولُه تعالَى :﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾
على الأولِ استثناءٌ متصلٌ منْ ضميرِ رردناهُ فإنَّه فِي معْنَى الجمعِ وعلى الثاني منقطعٌ أيْ لكنْ الذينَ كانُوا صالحينَ منْ الهَرْمَى ﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ غيرُ منقطعٍ عَلى طاعتِهم وصبرِهم على ابتلاءِ الله تعالَى بالشيخوخةِ والهرمِ وعَلى مقاساةِ المشاقِّ والقيامِ بالعبادةِ على تخاذلِ نهوضِهم أو غيرِ ممنونٍ بهِ عليهمْ وهذِه الجملةُ على الأولِ مقررةٌ لمَا يفيدهُ الاستثناءُ منْ خروجِ المؤمنين عنْ حكمِ الردِّ ومبنيةٌ لكيفيةِ حالِهم والخطابُ في قولِه تعالَى :﴿ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ للرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أيْ فأيُّ شيءٍ يكذبكَ دلالةً أو نطقاً بالجزاءِ بعدَ ظهورِ هذهِ الدلائلِ الناطقةِ بهِ، وقيلَ : ما بمعنَى منْ، وقيلَ : الخطابُ للإنسانِ على طريقِ الالتفاتِ لتشديدِ التوبيخِ والتبكيتِ أيْ فَما يجعلكَ كاذباً بسببِ الدينِ وأنكارِه بعدَ هذهِ الدلائلِ والمَعنى أنَّ خلقَ الإنسانِ منْ نطفةٍ وتقويمَهُ بشراً سوياً وتحويلَهُ منْ حالٍ إلى حالٍ كمالاً ونُقصاناً من أوضحِ الدلائلِ على قُدرةِ الله عزَّ وجلَّ على البعثِ والجزاءِ فأيُّ شيءٍ يضطركَ بعدَ هَذَا الدليلِ القاطعِ إلى أنْ تكونَ كاذباً بسببِ تكذيبهِ أيُّها الإنسانُ؟