قلت : وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء ﴾ [ الشورى : ١١ ] وقوله :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ﴾ [ طه : ١١٠ ] ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق، وعجيب الصنع، فلينظر في كتاب :( العبر والاعتبار ) للجاحظ، وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله :﴿ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢١ ] وهو في مجلدين ضخمين.
﴿ ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين ﴾ أي : رددناه إلى أرذل العمر، وهو الهرم، والضعف بعد الشباب والقوّة، حتى يصير كالصبيّ، فيخرف وينقص عقله، كذا قال جماعة من المفسرين.
قال الواحدي : والسافلون هم : الضعفاء، والزمناء، والأطفال، والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعاً.
وقال مجاهد، وأبو العالية، والحسن : المعنى ثم رددنا الكافر إلى النار، وذلك أن النار درجات بعضها أسفل من بعض، فالكافر يرد إلى أسفل الدرجات السافلة، ولا ينافي هذا قوله تعالى :﴿ إِنَّ المنافقين فِى الدرك الأسفل مِنَ النار ﴾ [ النساء : ١٤٥ ] فلا مانع من كون الكفار، والمنافقين مجتمعين في ذلك الدرك الأسفل، وقوله :﴿ أَسْفَلَ سافلين ﴾ إما حال من المفعول، أي : رددناه حال كونه أسفل سافلين، أو صفة لمقدر محذوف، أي : مكاناً أسفل سافلين ﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ هذا الاستثناء على القول الأوّل منقطع، أي لكن الذين آمنوا إلخ، ووجهه أن الهرم والردّ إلى أرذل العمر يصاب به المؤمن، كما يصاب به الكافر، فلا يكون لاستثناء المؤمنين على وجه الاتصال معنى.