وعلى القول الثاني يكون الاستثناء متصلاً من ضمير ﴿ رددناه ﴾، فإنه في معنى الجمع، أي : رددنا الإنسان أسفل سافلين من النار ﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ العصر : ٣ ] ﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي : غير مقطوع، أي : فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعاتهم ؛ فهذه الجملة على القول الأوّل مبينة لكيفية حال المؤمنين، وعلى القول الثاني مقرّرة لما يفيده الاستثناء من خروج المؤمنين عن حكم الردّ، وقال : أسفل سافلين على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى الجمع، ولو قال : أسفل سافل لجاز ؛ لأن الإنسان باعتبار اللفظ واحد.
وقيل : معنى رددناه أسفل سافلين : رددناه إلى الضلال، كما قال :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ العصر : ٢، ٣ ] أي : إلاّ هؤلاء، فلا يردّون إلى ذلك.
﴿ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ الخطاب للإنسان الكافر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، وإلزام الحجة، أي : إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم، وأنه يردّك أسفل سافلين، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء؟ وقيل : الخطاب للنبيّ ﷺ، أي : أيّ شيء يكذبك يا محمد بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة، فاستيقن مع ما جاءك من الله أنه أحكم الحاكمين.
قال الفراء، والأخفش : المعنى فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذا البيان بالدين، كأنه قال : من يقدر على ذلك؟ أي : على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما ظهر من قدرتنا على خلق الإنسان ما ظهر، واختار هذا ابن جرير.
والدين الجزاء، ومنه قول الشاعر :
دنَّا تميما كما كانت أوائلنا... دانت أوائلهم من سالف الزمن
وقال الآخر :
ولما صرّح الشر... فأمسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوا... ن دنَّاهم كما دانوا


الصفحة التالية
Icon