ثم قال عز وجل :﴿ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ يعني : صدقوا بوحدانية الله تعالى، وعملوا الصالحات ﴿ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ يعني : غير منقوص، وذلك أن المؤمن إذا عمل في حالة شبابه، وقوته وحياته، فإذا مرض أو هرم، أو مات، فإنه يكتب له حسناته، كما كان يعمل في حال شبابه وقوته، إلى يوم القيامة ويقال :﴿ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ يعني : غير مقطوع ويقال :﴿ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ يعني : لا يُمَنُّ عليه.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال :" إنَّ المُؤْمِنُ إذَا مَاتَ، صَعِدَ مَلَكَاهُ إلى السَّمَاءِ، فَيَقُولاَنِ : إنَّ عَبْدَكَ فُلاَناً قَدْ مَاتَ، فَأْذَنْ لَنَا حَتَّى نَعْبُدَكَ عَلَى السَّمَاءِ، فَيَقُولُ الله تَعَالَى : إِنَّ سَمَاوَاتِي مَمْلُوْءةٌ بِمَلاَئِكَتِي، وَلَكِنْ اذْهَبَا إلَى قَبْرِهِ، فَاكْتُبَا لَهُ حَسَنَاتِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَة " ﴿ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ يعني : أيها الإنسان ما الذي حملك، بعدما خلقك الله تعالى في أحسن تقويم، حتى كذبت بيوم الدين والقضاء ﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ يعني : بأعدل العادلين، يعمل بالعدل مع الكفار، ومع المؤمنين بالفضل.
وقال مقاتل :﴿ فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين ﴾ يعني : فما يكذبك أيها الإنسان، بعد بيان الصورة الحسنة، والشباب والهرم بالحساب، لا تغتر في صورتك وشبابك، فهو قادر على أن يبعثك.
ويقال : معنى قوله ﴿ إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر ﴾ [ العصر : ٣ ] يعني : لا يحزن ولا يذهب عقله، من كان عالماً عاملاً به.
وروي عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال :"طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ". والله أعلم. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ٣ صـ ٥٧١ ـ ٥٧٢﴾


الصفحة التالية
Icon