قلت : وبجانب بيت لحم - القرية التي ولد فيها المسيح - قرية تسمى إلى اليوم ساعير. ولها جبال تسمى جبال ساعير، وعلى هذا فيكون ذكر الثلاثة الجبال : جبل حراء الذي ليس حول مكة جبل أعلى منه، وفيه كان أول نزول الوحي على النبيّ ﷺ وحوله من الجبال جبال كثيرة. وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم. وفيه كان ابتداء نزول القرآن. والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران، ولا يمكن أحداً أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ولا بعث نبيّ ؛ فعلم أن ليس المراد باستعلانه من جبال فاران، إلا إرسال محمد ﷺ. وهو سبحانهُ ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزمانيّ فذكر إنزال التوراة ثم الإنجيل ثم القرآن، وهذه الكتب نور الله وهداه، وقال في الأول : جاء أو ظهر. وفي الثاني : أشرق. وفي الثالث : استعلن. وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر أو ما هو أظهر من ذلك. ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس زاد به النور والهدى. وأما نزول القرآن فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء. ولهذا قال : واستعلن من جبال فاران، فإن محمداُ ﷺ ظهر به نور الشمس إذا استعلنت في مشارق الأرض ومغاربها ؛ ولهذا سماهُ الله سراجاً منيراً، وسمى الشمس سراجاً وهاجاً، والخلق محتاجون إلى السراج المنير، أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج، فإن الوهاج يحتاجون إليه في وقت دون وقت، بل قد يتضررون به بعض الأوقات. وأما السراج المنير فيحتاجون إليه في كل وقت، وكل مكان، ليلاً ونهاراً، سراً وعلانيةً. وقد قال ﷺ :< زُويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها >. وهذه الأماكن الثلاثة، أقسم الله بها في القرآن في قوله :﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ فأقسم بالتين والزيتون، وهو الأرض المقدسة