أَتَيْنَ التيْنَ عَنْ عُرُضٍ...
وهذا اسم موضع.
ويجوز أن يكون ذلك على حذف مضاف ؛ أي ومنابت التين والزيتون.
ولكن لا دليل على ذلك من ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه ؛ قاله النحاس.
الثانية : أصح هذه الأقوال الأوّل ؛ لأنه الحقيقة، ولا يُعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل.
وإنما أقسم الله بالتين، لأنه كان سِتر آدم في الجنة ؛ لقوله تعالى :﴿ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] وكان ورق التين.
وقيل : أقسم به ليبين وجه المِنة العظمى فيه ؛ فإنه جميل المنظر، طيب المخبَر، نَشِر الرائحة، سهل الجَنْى، على قدر المضغة.
وقد أحسن القائل فيه :
انظر إلى التين في الغصون ضُحًى...
ممزق الجِلد مائل العُنُقِ
كأنه ربّ نِعمةٍ سُلِبت...
فعاد بعد الجديد في الخَلَق
أصغر ما في النهود أكبره...
لَكِنْ يُنَادَى عليه في الطرقِ
وقال آخر :
التين يعدِل عندي كل فاكهة...
إذا انثنى مائلاً في غصنه الزاهي
مُخَمَّش الوجه قد سالت حلاوته...
كأنه راكع مِن خشية اللَّهِ
وأقسم بالزيتون لأنه مَثَّل به إبراهيم في قوله تعالى :﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ [ النور : ٣٥ ].
وهو أكثر أُدُم أهل الشام والمغرب ؛ يصطبِغون به، ويستعملونه في طبيخهم، ويستصبحون به، ويداوَى به أدواء الجوف والقروح والجراحات، وفيه منافع كثيرة.
وقال عليه السلام :" كلوا الزيت وادّهِنوا به فإنه من شجرة مباركة " وقد مضى في سورة "المؤمنون" القول فيه.
الثالثة : قال ابن العربيّ ولامتنان البارىء سبحانه، وتعظيم المِنة في التين، وأنه مُقْتات مدّخر فلذلك قلنا بوجوب الزكاة فيه.
وإنما فرّ كثير من العلماء من التصريح بوجوب الزكاة فيه، تقِية جور الولاة ؛ فإنهم يتحاملون في الأموال الزكاتية، فيأخذونها مغرماً، حَسْب ما أنذر به الصادق صلى الله عليه وسلم.