وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزديّ قال : أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن أبي علي القاضي المحسِّن عن أبيه قال : كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حباً شديداً فقال لها يوماً : أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر ؛ فنهضت واحتجبت عنه، وقالت : طلقتني!.
وبات بليلة عظيمة، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور، فأخبره الخبر، وأظهر للمنصور جزعاً عظيماً ؛ فاستحضر الفقهاء واستفتاهم.
فقال جميع من حضر : قد طلقت ؛ إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة، فإنه كان ساكتاً.
فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ والتين والزيتون * وَطُورِ سِينِينَ * وهذا البلد الأمين * لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾.
يا أمير المؤمنين، فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شيء أحسن منه.
فقال المنصور لعيسى بن موسى : الأمر كما قال الرجل، فأقبلْ على زوجتك.
وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل : أن أطيعي زوجك ولا تعصيه، فما طلقك.
فهذا يدلك على أنّ الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً، جمال هيئة، وبديع تركيب : الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه.
ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالَم الأصغر ؛ إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه.
الثانية : قوله تعالى :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي إلى أرذل العمر، وهو الهَرَم بعد الشباب، والضعف بعد القوّة، حتى يصير كالصبيّ في الحال الأوّل ؛ قاله الضحاك والكلبيّ وغيرهما.
وروى ابن أبي نَجيح عن مجاهد :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ إلى النار، يعني الكافر، وقاله أبو العالية.


الصفحة التالية
Icon