وقيل : لما وصفه الله بتلك الصفات الجليلة التي رُكِّب الإنسان عليها، طغى وعلا، حتى قال :﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] وحين علم الله هذا من عبده، وقضاؤه صادر من عنده، رَدَّه أسفل سافلين ؛ بأن جعله مملوءاً قَذَراً، مشحوناً نجاسة، وأخرجها على ظاهره إخراجاً منكرا، على وجه الاختيار تارة، وعلى وجه الغَلَبة أخرى، حتى إذا شاهد ذلك من أمره، رجع إلى قدره.
وقرأ عبد الله "أسفلَ السَّافلِينَ".
وقال :"أسفل سافِلِين" على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى جمع، ولو قال : أسفل سافلٍ جاز ؛ لأن لفظ الإنسان واحد.
وتقول : هذا أفضل قائم.
ولا تقول أفضل قائمين ؛ لأنك تضمر لواحد، فإن كان الواحد غير مُضْمَر له، رجع اسمه بالتوحيد والجمع ؛ كقوله تعالى :﴿ والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أولئك هُمُ المتقون ﴾ [ الزمر : ٣٣ ].
وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].
وقد قيل : إن معنى ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ أي رددناه إلى الضلال ؛ كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ العصر : ٢-٣ ] أي إلا هؤلاء، فلا يردون إلى ذلك.
والاستثناء على قول من قال "أسفلَ سافلينَ" : النار، متصل.
ومن قال : إنه الهرَم فهو منقطع.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾
فإنَّه تكتب لهم حسناتهم، وتُمْحَى عنهم سيئاتهم ؛ قاله ابن عباس.
قال : وهم الذين أدركهم الكِبَر، لا يؤاخَذون بما عملوه في كِبرهم.
وروى الضحاك عنه قال : إذا كان العبد في شبابه كثير الصلاة كثير الصيام والصدقة، ثم ضَعُف عما كان يعمل في شبابه ؛ أجرى الله عز وجل له ما كان يعمل في شبابه.