ومنهم من قال : يحتمل أن يكون خمس آيات من أول السورة نزلت أولاً، ثم نزلت البقية بعد ذلك في شأن أبي جهل، ثم أمر النبي ﷺ بضم ذلك إلى أول السورة، لأن تأليف الآيات إنما كان يأمر الله تعالى، ألا ترى أن قوله تعالى :﴿واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله﴾ [ البقرة : ٢٨١ ] آخر ما نزل عند المفسرين ثم هو مضموم إلى ما نزل قبله بزمان طويل القول الثاني : أن المراد من الإنسان المذكور في هذه الآية جملة الإنسان، والقول الأول وإن كان أظهر بحسب الروايات، إلا أن هذا القول أقرب بحسب الظاهر، لأنه تعالى بين أن الله سبحانه مع أنه خلقه من علقة، وأنعم عليه بالنعم التي قدمنا ذكرها، إذ أغناه، وزاد في النعمة عليه فإنه يطغى ويتجاوز الحد في المعاصي واتباع هوى النفس، وذلك وعيد وزجر عن هذه الطريقة، ثم إنه تعالى أكد هذا الزجر بقوله :﴿إِنَّ إلى رَبّكَ الرجعى﴾ [ العلق : ٨ ] أي إلى حيث لا مالك سواه، فتقع المحاسبة على ما كان منه من العمل والمؤاخذة بحسب ذلك.
المسألة الثانية :
قوله :﴿كَلاَّ﴾ فيه وجوه أحدها : أنه ردع وزجر لمن كفر بنعمة الله بطغيانه، وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه وثانيها : قال مقاتل : كلا لا يعلم الإنسان إن الله هو الذي خلقه من العلقة وعلمه بعد الجهل، وذلك لأنه عند صيرورته غنياً يطغى ويتكبر، ويصير مستغرق القلب في حب الدنيا فلا يتفكر في هذه الأحوال ولا يتأمل فيها وثالثها : ذكر الجرجاني صاحب " النظم " أن كلا ههنا بمعنى حقاً لأنه ليس قبله ولا بعده شيء تكون ﴿كَلاَّ﴾ رداً له، وهذا كما قالوه في :
﴿كَلاَّ والقمر﴾ [ المدثر : ٣٢ ] فإنهم زعموا أنه بمعنى : أي والقمر.
المسألة الثالثة :