ثم إن بلالاً دله على فاطمة ثم فاطمة دلته على علي عليه السلام، فلما سأل علياً عنه قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه، فقال الرجل : هذا لا يتيسر لي، فقال علي : عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله على قلته حيث قال :﴿قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ﴾ [ النساء : ٧٧ ] فكيف أصف أخلاق النبي وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال :﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [ القلم : ٤ ] فكأنه تعالى قال : ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عين الجهل والحمق وثانيها : أن هذا أبلغ في الذم لأن المعنى أن هذا دأبه وعادته فينهى كل من يرى وثالثها : أن هذا تخويف لكل من نهى عن الصلاة، روى عن علي عليه السلام أنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد، فقال : ما رأيت رسول الله ﷺ يفعل ذلك، فقيل له : ألا تنهاهم ؟ فقال : أخشى أن أدخل تحت قوله :﴿أَرَأَيْتَ الذى ينهى * عَبْداً إِذَا صلى﴾ فلم يصرح بالنهي عن الصلاة، وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حيث قال له أبو يوسف : أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع : اللهم اغفر لي ؟ قال : يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي ورابعها : أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي لا أجد ساجداً غيره، إن محمد عبد واحد، ولي من الملائكة المقربين مالا يحصيهم إلا أنا وهم دائماً في الصلاة والتسبيح وخامسها : أنه تفخيم لشأن النبي عليه السلام يقول : إنه مع التنكير معرف، نظيره الكناية في سورة القدر حملت على القرآن ولم يسبق له ذكر
﴿أسرى بِعَبْدِهِ﴾ [ الإسراء : ١ ] ﴿أَنْزَلَ على عَبْدِهِ﴾ [ الكهف : ١ ] ﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عبدُ الله﴾ [ الجن : ١٩ ].
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon