وصرح الرضي باختيار عدم اشتراط الاقتران بالفاء ونظَّره بقوله تعالى :﴿ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ﴾ [ الأنعام : ٤٧ ] فأما قول جمهور النحاة والزمخشري في "المفصَّل" فهو وجوب الاقتران بالفاء، وعلى قولهم يتعين تقدير جَواب الشرط بما يدل عليه :﴿ ألم يعلم بأن الله يرى ﴾ والتقدير : إن كذب وتولى فالله عالم به، كناية عن توعده، وتكون جملة :﴿ ألم يعلم بأن الله يرى ﴾ مستأنفة لإِنكار جهل المكذب بأن الله سيعاقبه، والشرطُ وجوابه سادّان مسدّ المفعول الثاني.
وكني بأن الله يرى عن الوعيد بالعقاب.
وضمن فعل ﴿ يعلم ﴾ معنى يوقنْ فلذلك عُدي بالباء.
وعلق فعل ﴿ أرأيت ﴾ هنا عن العمل لوجود الاستفهام في قوله :﴿ ألم يعلم ﴾.
والاستفهام إنكاري، أي كان حقه أن يعلم ذلك ويقي نفسه العقاب.
وفي قوله :﴿ إن كذب وتولى ﴾ إيذان للنبيء ﷺ بأن أبا جهل سيكذبه حين يدعوه إلى الإِسلام وسيتولى، ووعْد بأن الله ينتصف له منه.
وضمير ﴿ كذب وتولى ﴾ عائد إلى ﴿ الذي ينهى عبداً إذا صلى ﴾ [ العلق : ٩، ١٠ ]، وقرينة المقام ترجِّع الضمائر إلى مراجعها المختلفة.
وحذف مفعول ﴿ كذب ﴾ لدلالة ما قبله عليه.
والتقدير : إن كذبه، أي العبدَ الذي صلى، وبذلك انتظمت الجمل الثلاث في نسبة معانيها إلى الذي ينهَى عبداً إذا صلى وإلى العبد الذي صلى، واندفعت عنك ترددات عرضت في التفاسير.
وحُذف مفعول ﴿ يرى ﴾ ليعمّ كل موجود، والمراد بالرؤية المسندة إلى الله تعالى تعلق علمه بالمحسوسات.
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)
﴿ يرى ﴾.
أكّد الردع الأول بحرف الردع الثاني في آخر الجملة وهو المَوْقع الحقيق لِحرف الردع إذْ كان تقديم نظيره في أول الجملة، لِما دعا إليه لمقام من التشويق. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣٠ صـ ﴾