وأما القرب: فلا يقع في القرآن إلا خاصا وهو نوعان: قربه من داعيه بالإجابة وقربه من عابده بالإثابة فالأول: كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [ البقرة: ١٨٦ ] ولهذا نزلت جوابا للصحابة رضي الله عنهم وقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله تعالى هذه الآية والثاني: قوله: أقرب ما يكون العبد من ربه: وهو ساجد وأقرب ما يكون الرب من عبده: في جوف الليل فهذا قربه من أهل طاعته وفى الصحيح: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنا مع النبيفي سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته فهذا قرب خاص بالداعي دعاء العبادة والثناء والحمد وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرب لخلقه واستواءه على عرشه بل يجامعه ويلازمه فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولكنه نوع آخر والعبد في الشاهد يجد روحه قريبة جدا من محبوب بينه وبينه مفاوز تتقطع فيها أعناق المطي ويجده أقرب إليه من جليسه كما قيل

ألا رب من يدنو ويزعم أنه يحبك والنائي أحب وأقرب
وأهل السنة أولياء رسول الله ﷺ وورثته وأحباؤه الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحب إليهم منها: يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه من جيران حجرته في المدينة والمحبون المشتاقون للكعبة والبيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومن


الصفحة التالية
Icon