ولما كان الحيوان أكمل المخلوقات، وكان الإنسان أكمل الحيوان وزبدة مخضه، ولباب حقيقته وسر محضه، وأدل على تمام القدرة لكونه جامعاً لجميع ما في الأكوان، فكان خلقه أبدع من خلق غيره، فكان لذلك أدل على كمال الصانع وعلى وجوب إفراده بالعبادة، خصه فقال :﴿خلق الإنسان﴾ أي هذا الجنس الذي من شأنه الأنس بنفسه وما رأى ما أخلاقه وحسه، وما ألفه من أبناء جنسه.
ولما كانت العرب تأكل الدم، وكان الله تعالى قد حرمه لأنه أصل الإنسان وغيره من الحيوان وهو مركب الحياة، فإذا أكل تطبع آكله بخلق ما هو دمه، قال معرفاً بأنه سبحانه وتعالى بنى هذه الدار على حكمة الأسباب مع قدرته على الإيجاد من غير تطوير في تسبيب :﴿من علق﴾ أي خلق هذا النوع من هذا الشيء وهو دم شديد الحمرة جامد غليظ، جمع علقة، وكذا الطين الذي يعلق باليد يسمى علقاً، وهم مقرّون بخلق الآدمي من الأمرين كليهما، فالآية من أدلة إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه على استعمال المشترك في معنييه، ولعله عبر به ليعم الطين فيكون - مع ما فيه من الإشارة إلى بديع الصنعة - إشارة إلى حرمة أكل ما هو أصلنا من الدم والتراب قبل أن يستحيل، فإذا استحال وصف بالحلال لأن الاستحالات لها مدخل في الإحلالات في النكاح وغيره، واحمرار النطفة ليس استحالة لأنها كانت حمراء قبل قصر الشهوة لها، وربما ضعفت الشهوة عن قصرها فنزلت حمراء، فإذا تحول الدم لحماً صار إلى جنس ما يحل، وكذا إذا تحول التراب بمخالطة الماء تمراً أو حباً حل.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه ـ ﷺ ـ ﴿فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين﴾ [ التين : ٧ - ٨ ] وكان معنى ذلك : أيّ شيء حمل عل هذا بعد وضوح الأمر لك وبيانه وقد نزهه سبحانه وتعالى عن التكذيب بالحساب وأعلى قدره عن ذلك، ولكن سبيل مثل هذا إذا ورد كسبيل قوله تعالى :