أحدها : وهو أن الرب من صفات الفعل، والله من أسماء الذات وأسماء الذات أشرف من أسماء الفعل، ولأنا قد دللنا بالوجوه الكثيرة على أن اسم الله أشرف من اسم الرب، ثم إنه تعالى قال ههنا :﴿باسم رَبّكَ﴾ ولم يقل : اقرأ باسم الله كما قال في التسمية المعروفة : بسم الله الرحمن الرحيم وجوابه : أنه أمر بالعبادة، وبصفات الذات، وهو لا يستوجب شيئاً، وإنما يستوجب العبادة بصفات الفعل، فكان ذلك أبلغ في الحث على الطاعة، ولأن هذه السورة كانت من أوائل ما نزل على ما كان الرسول عليه السلام قد فزع فاستماله ليزول الفزع، فقال : هو الذي رباك فكيف يفزعك ؟ فأفاد هذا الحرف معنيين أحدهما : ربيتك فلزمك القضاء فلا تتكاسل والثاني : أن الشروع ملزم للاتمام، وقد ربيتك منذ كذا فكيف أضيعك، أي حين كنت علقاً لم أدع تربيتك فبعد أن صرت خلقاً نفيساً موحداً عارفاً بي كيف أضيعك ؟.
السؤال الثاني : ما الحكمة في أنه أضاف ذاته إليه، فقال :﴿باسم رَبّكَ﴾ ؟ الجواب : تارة يضيف ذاته إليه بالربوبية كما ههنا، وتارة يضيفه إلى نفسه بالعبودية، أسرى بعبده، نظيره قوله عليه السلام :" علي مني وأنا منه " كأنه تعالى يقول : هو لي وأنا له، يقرره قوله تعالى :﴿مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ [ النساء : ٨٠ ] أو نقول : إضافة ذاته إلى عبده أحسن من إضافة العبد إليه، إذ قد علم في الشاهد أن من له إبنان ينفعه أكبرهما دون الأصغر، يقول : هو ابني فحسب لما أنه ينال منه المنفعة، فيقول الرب تعالى : المنفعة تصل مني إليك، ولم تصل منك إلى خدمة ولا طاعة إلى الآن، فأقول : أنا لك ولا أقول أنت لي، ثم إذا أتيت بما طلبته منك من طاعة أو توبة أضفتك إلى نفسي فقلت : أنزل على عبده ﴿قُلْ ياعبادى الذين أَسْرَفُواْ﴾ [ الزمر : ٥٣ ].