السؤال الثالث : لم ذكر عقيب قوله :﴿رَبَّكَ﴾ قوله :﴿الذى خَلَقَ﴾ ؟ الجواب : كأن العبد يقول : ما الدليل على أنك ربي ؟ فيقول : لأنك كنت بذاتك وصفاتك معدوماً.
ثم صرت موجوداً فلا بد لك في ذاتك وصفاتك من خالق، وهذا الخلق والإيجاد تربية فدل ذلك على أني ربك وأنت مربوبي.
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)
أما قوله تعالى :﴿الذى خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
في تفسير هذه الآية ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون قوله :﴿الذى خَلَقَ﴾ لا يقدر له مفعول، ويكون المعنى أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه والثاني : أن يقدر له مفعول ويكون المعنى أنه الذي خلق كل شيء، فيتناول كل مخلوق، لأنه مطلق، فليس حمله على البعض أولى من حمله على الباقي، كقولنا : الله أكبر، أي من كل شيء، ثم قوله بعد ذلك :﴿خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ﴾ تخصيص للإنسان بالذكر من بين جملة المخلوقات، إما لأن التنزيل إليه أو لأنه أشرف ما على وجه الأرض والثالث : أن يكون قوله :﴿اقرأ باسم رَبّكَ الذى خَلَقَ﴾ مبهماً ثم فسره بقوله :﴿خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ﴾ تفخيماً لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته.
المسألة الثانية :
احتج الأصحاب بهذه الآية على أنه لا خالق غير الله تعالى، قالوا : لأنه سبحانه جعل الخالقية صفة مميزة لذات الله تعالى عن سائر الذوات، وكل صفة هذا شأنها فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، قالوا : وبهذا الطريق عرفنا أن خاصية الإلهية هي القدرة على الاختراع ومما يؤكد ذلك أن فرعون لما طلب حقيقة الإله، فقال :﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ [ الشعراء : ٢٣ ] قال موسى :﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الأولين﴾ [ الشعراء : ٢٦ ] والربوبية إشارة إلى الخالقية التي ذكرها ههنا، وكل ذلك يدل على قولنا.
المسألة الثالثة :