اتفق المتكلمون على أن أول الواجبات معرفة الله تعالى، أو النظر في معرفة الله أو القصد إلى ذلك النظر على الاختلاف المشهور فيما بينهم، ثم إن الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولاً إلى المشركين، لو قال له : اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له، لأبوا أن يقبلوا ذلك منه، لكنه تعالى قدم ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به كما يحكى إن زفر لما بعثه أبو حنيفة إلى البصرة لتقرير مذهبه، فلما ذكر أبو حنيفة زيفوه ولم يلتفتوا إليه، فرجع إلى أبي حنيفة.
وأخبره بذلك، فقال إنك لم تعرف طريق التبليغ، لكن ارجع إليهم، واذكر في المسألة أقاويل أئمتهم ثم بين ضعفها، ثم قل بعد ذلك : ههنا قول آخر، واذكر قولي وحجتي، فإذا تمكن ذلك في قلبهم، فقل : هذا قول أبي حنيفة لأنهم حينئذ يستحيون فلا يردون، فكذا ههنا أن الحق سبحانه يقول : إن هؤلاء عباد الأوثان، فلو أثنيت علي وأعرضت عن الأوثان لأبوا ذلك، لكن اذكر لهم أنهم هم الذين خلقوا من العلقة فلا يمكنهم إنكاره، ثم قل : ولا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه، فبهذا التدريج يقرون بأني أنا المستحق للثناء دون الأوثان، كما قال تعالى :
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [ الزخرف : ٨٧ ] ثم لما صارت الإلهية موقوفة على الخالقية وحصل القطع بأن من لم يخلق لم يكن إلهاً، فلهذا قال تعالى :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [ النحل : ١٧ ] ودلت الآية على أن القول بالطبع باطل، لأن المؤثر فيه إن كان حادثاً افتقر إلى مؤثر آخر، وإن كان قديماً فإما أن يكون موجباً أو قادراً، فإن كان موجباً لزم أن يقارنه الأثر فلم يبق إلا أنه مختار وهو عالم لأن التغير حصل على الترتيب الموافق للمصلحة.
المسألة الرابعة :