فهذا الحديث روته عائشة عن رسول الله ﷺ لقولها قال :" فقلت : ما أنا بقارىء ".
وجميع ما ذكرته فيه مما روته عنه لا محالة وقد قالت فيه :"فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فُؤاده" أي فرجع بالآيات التي أُمليَتْ عليه، أي رجع متلبساً بها، أي بوعيها.
وهو يدل على أن رسول الله ﷺ تلقى ما أوحي إليه.
وقرأه حينئذٍ ويزيد ذلك إيضاحاً قولها في الحديث :"فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل فقالت له خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك"، أي اسمع القول الذي أوحي إليه وهذا ينبىء بأن رسول الله ﷺ عندما قيل له بعد الفطة الثالثة :﴿ اقرأ باسم ربك ﴾ الآيات الخمس قد قرأها ساعتئذٍ كما أمره الله ورجع من غار حراء إلى بيته يقرؤها وعلى هذا الوجه يكون قول المَلك له في المرات الثلاث ﴿ اقرأ ﴾ إعادة للفّظ المنزل من الله إعادة تكرير للاستئناس بالقراءة التي لم يتعلمها من قبل.
ولم يُذكر لِفعل ﴿ اقرأ ﴾ مفعول، إما لأنه نزل منزلة اللازم وأن المقصود أوجد القراءة، وإما لظهور المقروء من المقام، وتقديره : اقرأ ما سنلقيه إليك من القرآن.
وقوله ﴿ باسم ربك ﴾ فيه وجوه:
أولها : أن يكون افتتاح كلام بعد جملة ﴿ اقرأ ﴾ وهو أول المقروء، أي قل : باسم الله، فتكون الباء للاستعانة فيجوز تعلقه بمحذوف تقديره : ابتدىء ويجوز أن يتعلق بـ ﴿ اقرأ ﴾ الثاني فيكون تقديمه على معموله للاهتمام بشأن اسم الله.
ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة، وإقحامُ كلمة ( اسم ) لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته كما تقدم في الكلام على البسملة، وهذا الوجه يقتضي أن النبي ﷺ قال :﴿ باسم الله ﴾ حين تلقَّى هذه الجملة.