الثاني : أن تكون الباء للمصاحبة ويكون المجرور في موضع الحال من ضمير ﴿ اقرأ ﴾ الثاني مقدَّماً على عامله للاختصاص، أي اقرأ ما سيوحَى إليك مصاحباً قراءتَك ( اسمَ ربك ).
فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله، ويكون هذا إثباتاً لوحدانية الله بالإلهية وإبطالاً للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون يقولون : باسم اللاتتِ، باسم العزى، كما تقدم في البسملة.
فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوَحي.
الثالث : أن تكون الباء بمعنى ( على ) كقوله تعالى :﴿ من إن تأمنه بقنطار ﴾ [ آل عمران : ٧٥ ]، أي على قنطار.
والمعنى : اقرأ على اسم ربك، أي على إذنه، أي أن المَلَك جاءك على اسم ربك، أي مرسلاً من ربك، فذكر ( اسْم ) على هذا متعين.
وعدل عن اسم الله العَلم إلى صفة ﴿ ربك ﴾ لما يؤذن وصف الرب من الرأفة بالمربوب والعناية به، مع ما يتأتى بذكره من إضافته إلى ضمير النبي ﷺ إضافة مؤذنة بأنه المنفرد بربوبيته عنده رداً على الذين جعلوا لأنفسهم أرباباً من دون الله فكانت هذه الآية أصلاً للتوحيد في الإسلام.
وجيء في وصف الربّ بطريق الموصول ﴿ الذي خلق ﴾ ولأن في ذلك استدلالاً على انفراد الله بالإلهية لأن هذا القرآن سيُتلى على المشركين لما تفيده الموصولية من الإيماء إى علة الخبر، وإذا كانت علة الإقبال على ذكر اسم الرب هي أنه خالق دل ذلك على بطلان الإقبال على ذكر غيره الذي ليس بخالق، فالمشركون كانوا يقبلون على اسم اللات واسم العزى، وكونُ الله هو الخالق يعترفون به قال تعالى :﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ] فلما كان المقام مقام ابتداء كتاب الإسلام دين التوحيد كان مقتضياً لذكر أدلّ الأوصاف على وحدانيته.


الصفحة التالية
Icon