وجملة ﴿ خلق الإنسان من علق ﴾ يجوز أن تكون بدلاً من جملة ﴿ الذي خلق ﴾ بدل مفصَّل من مُجْمل إن لم يقدر له مفعول، أو بدل بعض إن قُدِّر له مفعول عام، وسُلك طريق الإبدال لما فيه من الإجمال ابتداءً لإقامة الاستدلال على افتقار المخلوقات كلها إليه تعالى لأن المقام مقام الشروع في تأسيس ملة الإسلام.
ففي الإجمال إحضار للدليل مع الاختصار مع ما فيه من إفادة التعميم ثم يكون التفصيل بعد ذلك لزيادة تقرير الدليل.
ويجوز أن تكون بياناً من ﴿ الذي خلق ﴾ إذا قُدر لفعل ﴿ خلق ﴾ الأول مفعول دل عليه بيانه فيكون تقدير الكلام : اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق.
وعدم ذكر مفعول لفعل ﴿ خلق ﴾ يجوز أن يكون لتنزيل الفعل منزلة اللازم، أي الذي هو الخالق وأن يكون حذف المفعول لإرادة العموم، أي خلق كل المخلوقات، وأن يكون تقديره : الذي خلق الإنسان اعتماداً على ما يرد بعده من قوله ﴿ خلق الإنسان ﴾، فهذه معانٍ في الآية.
وخص خلق الإِنسان بالذكر من بين بقية المخلوقات لأنه المطَّرد في مقام الاستدلال إذ لا يَغفُلُ أحد من الناس عن نفسه ولا يخلو من أن يخطر له خاطر البحث عن الذي خلقه وأوجده ولذلك قال تعالى :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].
وفيه تعريض بتحميق المشركين الذين ضلوا عن توحيد الله تعالى مع أن دليل الوحدانية قائم في أنفسهم.
وفي قوله :﴿ من علق ﴾ إشارة إلى ما ينطوي في أصل خَلْق الإِنسان من بديع الأطوار والصفات التي جعلته سلطانَ هذا العالم الأرضي.
والعلق : اسم جمع عَلَقَة وهي قطعةٌ قَدرُ الأنملة من الدم الغليظ الجامد الباقي رطْباً لم يجفّ، سمي بذلك تشبيهاً لها بدودةٍ صغيرة تسمَّى علقة، وهي حمراء داكنة تكون في المياه الحلوة، تمتص الدم من الحيوان إذا علق خرطومها بجلده وقد تدخل إلى فم الدابة وخاصة الخيل والبغال فتعلق بلهاته ولا يُتفطن لها.