ومعنى :﴿ خلق الإنسان من علق ﴾ أن نطفة الذكر ونطفة المرأة بعد الاختلاط ومضي مدة كافيَة تصيران علقةً فإذا صارت علقة فقد أخذت في أطوار التكوّن، فجُعلت العلقة مبدأ الخلق ولم تُجعل النطفة مبدأ الخلق لأن النطفة اشتهرت في ماء الرجل فلو لم تخالطه نطفة المرأة لم تصر العلقة فلا يتخلق الجنين وفيه إشارة إلى أن خلق الإنسان من علق ثم مصيره إلى كمال أشده هو خلق ينطوي على قوى كامنة وقابليات عظيمة أقصاها قابلية العلم والكتابة.
ومن إعجاز القرآن العلمي ذكر العلقة لأن الثابت في العلم الآن أن الإِنسان يتخلق من بويضة دقيقة جداً لا ترى إلا بالمرآة المكبِّرة أضعافاً تكون في مبدإ ظهورها كروية الشكل سابحة في دم حيض المرأة فلا تقبل التخلق حتى تخالطها نطفة الرجل فتمتزج معها فتأخذ في التخلق إذا لم يَعُقْها عائق كما قال تعالى:
﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ [ الحج : ٥ ]، فإذا أخذت في التخلق والنمو امتد تكورها قليلاً فشابهت العلقة التي في الماء مشابَهة تامة في دقة الجسم وتلونها بلون الدم الذي هي سابحة فيه وفي كونها سابحة في سائل كما تسبح العلقة، وقد تقدم هذا في سورة غافر وأشرت إليه في المقدمة العاشرة.
ومعنى حرف ﴿ مِن ﴾ الابتداء.
وفعل ﴿ اقرأ ﴾ الثاني تأكيد ل ﴿ اقرأ ﴾ الأول للاهتمام بهذا الأمر.
﴿ اقرأ وَرَبُّكَ ﴾ ﴿ الاكرم * الذى عَلَّمَ بالقلم * عَلَّمَ الإنسان مَا ﴾.
جملة معطوفة على جملة :﴿ اقرأ باسم ربك ﴾ فلها حكم الاستئناف، و ﴿ ربك ﴾ مبتدأ وخبره إما ﴿ الذي علم بالقلم ﴾ وإما جملة :﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾.
وهذا الاستئناف بياني.
فإذا نظرتَ إلى الآية مستقلة عما تضمنه حديث عائشة في وصف سبب نزولها كان الاستئناف ناشئاً عن سؤال يجيش في خاطر الرسول ﷺ أن يقول : كيف أقرأ وأنا لا أحسن القراءة والكتابة، فأجيب بأن الذي علم القراءة بواسطة القلم، أي بواسطة الكتابة يعلمك ما لم تعلم.