وذُكر أن ظهور الخط في العرب أول ما كان عند أهل الأنبار، وأدخل الكتابة إلى الحجاز حربُ بن أمية تعلمه من أسْلم بن سدرة وتعلمه أسلم من مُرامِر بن مُرة وكان الخط سابقاً عند حمير باليمن ويسمى المُسْنَد.
وتخصيص هذه الصلة بالذكر وجعلُها معترضة بين المبتدإ والخبر للإِيماء إلى إزالة ما خطر ببال النبي ﷺ من تعذر القراءة عليه لأنه لا يعلم الكتابة فكيف القراءةُ إذْ قال للملك :"ما أنا بقارىء" ثلاث مرات، لأن قوله :" ما أنا بقارىء " اعتذار عن تعذر امتثال أمره بقوله :﴿ اقرأ ﴾ ؛ فالمعنى أن الذي علّم الناس الكتابة بالقلم والقراءة قادر على أن يعلمك القراءة وأنت لا تعلم الكتابة.
والقلم : شَظيَّة من قصب ترقق وتثقّف وتبرى بالسكيننِ لتكون ملساء بين الأصابع ويجعلُ طرفها مشقوقاً شقاً في طول نصف الأنملة، فإذا بلّ ذلك الطرف بسائل المداد يخُط به على الورق وشبهه، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ﴾ في سورة آل عمران ( ٤٤ ).
وجملة : علم الإنسان ما لم يعلم } خبر عن قوله :﴿ وربك الأكرم ﴾ وما بينهما اعتراض.
وتعريف ﴿ الإنسان ﴾ يجوز أن يكون تعريف الجنس فيكون ارتقاء في الإِعلام بما قدره الله تعالى من تعليم الإِنسان بتعميم التعليم بعد تخصيص التعليم بالقلم.
وقد حصلتْ من ذكر التعليم بالقلم والتعليم الأعم إشارة إلى ما يتلقاه الإنسان من التعاليم سواء كان بالدرس أم بمطالعة الكتب وأن تحصيل العلوم يعتمد أموراً ثلاثة:
أحدها : الأخذ عن الغير بالمراجعة، والمطالعة، وطريقهما الكتابة وقراءة الكتب فإن بالكتابة أمكن للأمم تدوين آراء علماء البشر ونقلها إلى الأقطار النائية وفي الأجيال الجائية.
والثاني : التلقي من الأفواه بالدرس والإِملاء.
والثالث : ما تنقدح به العقول من المستنبطات والمخترعات.
وهذان داخلان تحت قوله تعالى :﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾.