فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أجمع المفسرون على أن المراد : إنا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، ولكنه تعالى ترك التصريح بالذكر، لأن هذا التركيب يدل على عظم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها : أنه أسند إنزاله إليه وجعله مختصاً به دون غيره والثاني : أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر.
شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التصريح، ألا ترى أنه في السورة المتقدمة لم يذكر اسم أبي جهل ولم يخف على أحد لاشتهاره، وقوله :﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم﴾ [ الواقعة : ٨٣ ] لم يذكر الموت لشهرته، فكذا ههنا والثالث : تعظيم الوقت الذي أنزل فيه.
المسألة الثانية :
أنه تعالى قال في بعض المواضع :﴿إِنّى﴾ كقوله :﴿إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وفي بعض المواضع ﴿إِنَاْ﴾ كقوله :﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القدر ﴾.
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ [ الحجر : ٩ ]، ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً﴾ [ نوح : ١ ]، ﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ [ الكوثر : ١ ].
واعلم أن قوله :﴿إِنَاْ﴾ تارة يراد به التعظيم، وحمله على الجمع محال لأن الدلائل دلت على وحدة الصانع، ولأنه لو كان في الآلهة كثرة لانحطت رتبة كل واحد منهم عن الإلهية، لأنه لو كان كل واحد منهم قادراً على الكمال لاستغنى بكل واحد منهم عن كل واحد منهم، وكونه مستغنى عنه نقص في حقه فيكون الكل ناقصاً، وإن لم يكن كل واحد منهم قادراً على الكمال كان ناقصاً، فعلمنا أن قوله :﴿إِنَاْ﴾ محمول على التعظيم لا على الجمع.
المسألة الثالثة :