إن قيل : ما معنى إنه أنزل في ليلة القدر، مع العلم بأنه أنزل نجوماً ؟ قلنا فيه وجوه : أحدهما : قال الشعبي : ابتداء بإنزاله ليلة القدر لأن البعث كان في رمضان والثاني : قال ابن عباس : أنزل إلى سماء الدنيا جملة ليلة القدر، ثم إلى الأرض نجوماً، كما قال :﴿فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم﴾ [ الواقعة : ٧٥ ] وقد ذكرنا هذه المسألة في قوله :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] لا يقال : فعلى هذا القول لم لم يقل : أنزلناه إلى السماء ؟ لأن إطلاقه يوهم الإنزال إلى الأرض، لأنا نقول : إن إنزاله إلى السماء كإنزاله إلى الأرض، لأنه لم يكن ليشرع في أمر ثم لا يتمه، وهو كغائب جاء إلى نواحي البلد يقال : جاء فلان، أو يقال الغرض من تقريبه وإنزاله إلى سماء الدنيا أن يشوقهم إلى نزوله كمن يسمع الخبر بمجيء منشور لوالده أو أمه، فإنه يزداد شوقه إلى مطالعته كما قال :
وأبرح ما يكون الشوق يوماً.. إذا دنت الديار من الديار
وهذا لأن السماء كالمشترك بيننا وبين الملائكة، فهي لهم مسكن ولنا سقف وزينة، كما قال :﴿وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ] فإنزاله القرآن هناك كإنزاله ههنا والوجه الثالث في الجواب : أن التقدير أنزلنا هذا الذكر : في ليلة القدر أي في فضيلة ليلة القدر وبيان شرفها.
المسألة الرابعة :


الصفحة التالية
Icon