البيت وزمزم على سائر البلاد، وتارة يفضل رمضان على سائر الشهور، وتارة يفضل الجمعة على سائر الأيام، وتارة يفضل ليلة القدر على سائر الليالي، والمقصود ما ذكرناه الوجه الثاني : من فضائل هذه الليلة.
قوله تعالى :﴿تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن نظر الملائكة على الأرواح، ونظر البشر على الأشباح، ثم إن الملائكة لما رأوا روحك محلاً للصفات الذميمة من الشهوة والغضب ما قبلوك.
فقالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويفسك الدماء، وأبواك لما رأوا قبح صورتك في أول الأمر حين كنت منياً وعلقة ما قبلوك أيضاً، بل أظهروا النفرة، واستقذروا ذلك المني والعلقة، وغسلوا ثيابهم عنه، ثم كم احتالوا للإسقاط والإبطال، ثم إنه تعالى لما أعطاك الصورة الحسنة فالأبوان لما رأوا تلك الصورة الحسنة قبلوك ومالوا إليك، فكذا الملائكة لما رأوا في روحك الصورة الحسنة وهي معرفة الله وطاعته أحبوك فنزلوا إليك معتذرين عما قالوه أولاً، فهذا هو المراد من قوله :﴿تَنَزَّلُ الملائكة﴾ فإذا نزلوا إليك رأوا روحك في ظلمة ليل البدن، وظلمة القوى الجسمانية فحينئذ يعتذرون عما تقدم : ويستغفرون للذين آمنوا }.
المسألة الثانية :
أن قوله تعالى :﴿تَنَزَّلُ الملائكة﴾ يقتضي ظاهره نزول كل الملائكة، ثم الملائكة لهم كثرة عظيمة لا تحتمل كلهم الأرض، فلهذا السبب اختلفوا فقال بعضهم : إنها تنزل بأسرها إلى السماء الدنيا، فإن قيل الإشكال بعد باق لأن السماء مملوءة بحيث لا يوجد فيها موضع إهاب إلا وفيه ملك، فكيف تسع الجميع سماء واحدة ؟ قلنا : يقضي بعموم الكتاب على خبر الواحد، كيف والمروي إنهم ينزلون فوجاً فوجاً فمن نازل وصاعد كأهل الحج فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة بالكلية لكن الناس بين داخل وخارج، ولهذا السبب مدت إلى غاية طلوع الفجر فلذلك ذكر بلفظ :﴿تُنَزَّلَ﴾ الذي يفيد المرة بعد المرة.