وقال ابن الجوزى :
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) ﴾
قوله تعالى :﴿ إنا أنزلناه ﴾
يعني : القرآن ﴿ في ليلة القدر ﴾ وذلك أنه أنزل جملةً في تلك الليلة إلى بيت العِزَّة، وهو بيت في السماء الدنيا.
وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا.
والهاء في "إنا أنزلناه" كناية عن غير مذكور.
وقال الزجاج : قد جرى ذكره في قوله تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾ [ الدخان : ٣ ].
فأما ﴿ ليلة القدر ﴾ ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال.
أحدها : أن القَدْرَ : العظمةُ، من قولك : لفلان قَدْر، قاله الزهري.
ويشهد له قوله تعالى :﴿ وما قَدَرُوا الله حق قَدْرِه ﴾ [ الأنعام : ٩١ ] و [ الزمر : ٦٧ ].
والثاني : أنه من الضيق، أي : هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون، قاله الخليل بن أحمد، ويشهد له قوله تعالى :﴿ وَمَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُه ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
والثالث : أن القَدْرَ : الحُكم كأن الأشياء تقَدَّرُ فيها، قاله ابن قتيبة.
والرابع : لأن من لم يكن له قَدْر صار بمراعاتها ذَا قَدْر، قاله أبو بكر الورَّاق.
والخامس : لأنه نزل فيها كتاب ذُو قَدر، وتنزل فيها رحمة ذات قَدْر، وملائكةٌ ذوُو قَدْر، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.

فصل


واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية، أم كانت في زمن النبي ﷺ خاصة؟ والصحيح بقاؤها.
وهل هي في جميع السنة، أم في رمضان؟
فيه قولان.
أحدهما : في رمضان، قاله الجمهور.
والثاني : في جميع السنة، قاله ابن مسعود.
واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض؟ على قولين :
أحدهما : أنها في العشر الأواخر، قاله الجمهور، وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه.


الصفحة التالية
Icon