السؤال الثالث : أن المشركين كانوا ينكرون الصانع وينكرون النبوة وينكرون القيامة، أما أهل الكتاب فكانوا مقرين بكل هذه الأشياء إلا أنهم كانوا منكرين لنبوة محمد ﷺ، فكان كفر أهل الكتاب أخف من كفر المشركين، وإذا كان كذلك فكيف يجوز التسوية بين الفريقين في العذاب ؟ والجواب : يقال : بئر جهنام إذا كان بعيد القعر، فكأنه تعالى يقول تكبروا طلباً للرفعة فصاروا إلى أسفل السافلين، ثم إن الفريقين وإن اشتراكا في ذلك لكنه لا ينافي اشتراكهم في هذا القدر تفاوتهم في مراتب العذاب، واعلم أن الوجه في حسن هذا العذاب أن الإساءة على قسمين إساءة إلى من أساء إليك وإساءة إلى من أحسن إليك، وهذا القسم الثاني هو أقبح القسمين والإحسان أيضاً على قسمين إحسان إلى من أحسن إليك، وإحسان إلى من أساء إليك، وهذا أحسن القسمين، فكان إحسان الله إلى هؤلاء الكفار أعظم أنواع الإحسان وإساءتهم وكفرهم أقبح أنواع الإساءة، ومعلوم أن العقوبة إنما تكون بحسب الجناية، فبالشتم تعزير وبالقذف حد وبالسرقة قط، وبالزنا رجم، وبالقتل قصاص، بل شتم المماثل يوجب التعزير، والنظر الشزر إلى الرسول يوجب القتل، فلما كانت جناية هؤلاء الكفار أعظم الجنايات، لا جرم استحقوا أعظم العقوبات، وهو نار جهنم، فإنها نار في موضع عميق مظلم هائل لا مفر عنه ألبتة، ثم كأنه قال قائل : هب أنه ليس هناك رجاء الفرار، فهل هناك رجاء الإخراج ؟ فقال : لا بل يبقون خالدين فيها، ثم كأنه قيل : فهل هناك أحد يرق قلبه عليهم ؟ فقال : لا بل يذمونهم، ويلعنونهم لأنهم شر البرية.