قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ البرية﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
الوجه في حسن تقديم الوعيد على الوعد وجوه أحدها : أن الوعيد كالدواء، والوعد كالغذاء، ويجب تقديم الدواء حتى إذا صار البدن نقياً انتفع بالغذاء، فإن البدن غير النقي كلما غذوته زدته شراً، هكذا قاله بقراط في كتاب " الفصول " وثانيها : أن الجلد بعد الدبغ يصير صالحاً للمدارس والخف، أما قبله فلا، ولذلك فإن الإنسان متى وقع في محنة أو شدة رجع إلى الله، فإذا نال الدنيا أعرض، على ما قال :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ] وثالثها : أن فيه بشارة، كأنه تعالى يقول : لما لم يكن بد من الأمرين ختمت بالوعد الذي هو بشارة مني في أني أختم أمرك بالخير، ألست كنت نجساً في مكان نجس، ثم أخرجتك إلى الدنيا طاهراً، أفلا أخرجك إلى الجنة طاهراً!.
المسألة الثانية :
احتج من قال : إن الطاعات ليست داخلة في مسمى الإيمان بأن الأعمال الصالحة معطوفة في هذه الآية على الإيمان، والمعطوف غير المعطوف عليه.
المسألة الثالثة :
قال :﴿إِنَّ الذين ءامَنُواْ﴾ ولم يقل : إن المؤمنين إشارة إلى أنهم أقاموا سوق الإسلام حال كساده، وبذلوا الأموال والمهج لأجله، ولهذا السبب استحقوا الفضيلة العظمى كما قال :﴿لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وقاتل﴾ [ الحديد : ١٠ ] ولفظة :﴿ءامَنُواْ﴾ أي فعلوا الإيمان مرة.
واعلم أن الذين يعتبرون الموافاة يحتجون بهذه الآية، وذلك لأنها تدل على أن من أتى بالإيمان مرة واحدة فله هذا الثواب، والذي يموت على الكفر لا يكون له هذا الثواب، فعلمنا أنه ما صدر الإيمان عنه في الحقيقة قبل ذلك.
المسألة الرابعة :