له وإلزاما للحجة عليه، وهؤلاء حكى اللّه عنهم أولا بأنهم لم يزالوا على كفرهم حتى تأتيهم البينة الموجودة في كتبهم، ثم أخبر اللّه جل شأنه عن الواقع بقوله (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) فيكون المعنى أن الذي وقع منهم قبل بعثة الرّسول مخالف لما ادعوه بعد مجيئه، فلا مناقضة بين الآية الأولى القائلة لم يكن الّذين كفروا من الفريقين منفكين عما هم عليه من الكفر حتى يأتيهم الرّسول وحتى في الآية لانتهاء الغاية، فتقضي أنهم انفكوا عن كفرهم عند إتيانه وهو خلاف الواقع (ولا في الآية الثانية) لأنها تفيد أنه لم يحصل التفرق إلّا بعد مجيئه على ما أوضحناه لك آنفا فلا مناقضة من حيث الظّاهر ولا من حيث المعنى البتة.
قال الواحدي هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا.
وهذا الذي جرينا عليه أحسن الأقوال في هاتين الآيتين، ولا يستقيم النظم الكريم على خلافه، ولا يصح معناه إلّا به، واللّه أعلم، وهو ولي التوفيق قال تعالى "وَما أُمِرُوا" هؤلاء الكفار قبل بعثة الرّسول محمد عليه السّلام وبعدها "إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ" وحده "مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" متبرئين من الشرك والرّياء قلبا وقالبا لسانا ونية.
مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز :
والمراد بالإخلاص هنا هو أن يأتي المكلف بالشيء الحسن لحسنه، والواجب لوجوبه، وينتهي عن القبيح لقبحه والسّيء لسوئه، ويفعل كما أمر اللّه رغبة فيه، وينتهي عن كلّ ما نهاه كراهية فيه وطاعة للّه تعالى.
روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن اللّه لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.


الصفحة التالية
Icon