ثم وصف اللّه تعالى المخلصين بكونهم "حُنَفاءَ" حالة كونهم في عبادتهم مائلين عن كلّ الأديان الباطلة إلى الدّين الحق دين الإسلام، مؤمنين بجميع الرسل والكتب السّماوية "وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ" المفروضتين عليهم "وَذلِكَ" أي عبادة اللّه والإخلاص فيها ودعمها بإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة هو "دِينُ الْقَيِّمَةِ" (٥) الملة المستقيمة العادلة القاسطة كما يريده ربّ هذا الدّين السّوي "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ" المشار إليهما أول هذه السورة الّذين انفكوا عن هذا الدّين القويم دين محمد صلّى اللّه عليه وسلم واختلفوا فيه وتفرقوا بعد ما جاءهم به وتلى عليهم كتاب اللّه الذي أنزله عليه في هذه الدّنيا ولم يتبعوه يكونون في الآخرة "فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ" (٦) وانما قدم كفرة أهل الكتاب لأن جنايتهم في الكفر أعظم من المشركين الكافرين في الأصل، إذ لا يعلمون شيئا عن محمد ورسالته، لأن رسولهم إسماعيل تقادم عهده فلم يبلغهم عنه شيء من أمر الدّين، ولم يترك لهم كتابا يعملون به، ولم يرسل لهم رسولا بعده، أما أهل الكتابين فيعلمون ذلك بإخبار رسلهم المتتابعة وبيان كتبهم، حتى أنهم كانوا يستفتحون به قبل بعثته صلّى اللّه عليه وسلم كما أشرنا إليه في الآية ٨٩ من سورة البقرة المارة، وكانوا يقرون نبوته، فلما جاءهم كذبوه وجحدوه وأنكروا ما كانوا يذكرون عنه ويذكّرون به، وبدل أن يؤمنوا به فقد ازدادوا كفرا وصدوا غيرهم عن الإيمان به، عتوا وعنادا ترجيحا لحطام الدّنيا على نعيم الآخرة.


الصفحة التالية
Icon