هذا والمشركون وإن كان جرم اشراكهم أعظم كفرا من كفر أهل الكتاب، لأن الشّرك أعظم أنواع الكفر، إلا أنهم لم يعرفوا ما يعرفهم أهل الكتابين من أمر الرّسول محمد، لأنهم جهلة لما ذكرنا آنفا، وعدم وجود شيء من آثار النّبوة عندهم وكونهم أميين لم يتعلموا، وهذا فقد أذل اللّه هذين الفريقين وأخزاهم في الدّنيا والآخرة "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" (٧) عند اللّه في الدّنيا والآخرة، ويكون "جَزاؤُهُمْ" في الدنيا الذكر الجميل والسّمعة الحسنة، وفي الآخرة "عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"
رضوا به أن يكون ربا لهم ومدبرا لأمورهم، ورضوا عنه بما يقضي عليهم ويدبر لهم "ذلِكَ" الجزاء المبارك الطّيب الحسن يكون "لِمَنْ خَشِيَ عليهم رَبَّهُ" (٨) في الدّنيا عن علم وإدراك ويقين، لأن خشية اللّه هي الأساس المتين المانعة عن كل ما لا يرضيه، راجع الآية ٢٨ من سورة فاطر في ج ١، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلم لأبي بن كعب إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) السورة قال أبي وسماني يا رسول اللّه ؟
قال نعم، فبكى فرحا وسرورا وخشية وإجلالا للّه تعالى.
وفي رواية البخاري زيادة وقد ذكرت عند رب العالمين ؟ قال نعم، فذكر أن فاضت عيناه.