فصل فى التفسير الموضوعى للسورة كاملة
قال الشيخ محمد الغزالى :
سورة البينة
هذه السورة فسرها التاريخ العام. فالناظر فى خريطة العالم خلال القرن السادس الميلادى. يرى أن الشمال الإفريقى وغرب آسيا كانا مليئين بالنصارى يحكمهم الرومان، وأن ما وراء ذلك من أرض الله الواسعة كان مليئا بالمشركين حتى الهند والصين.. فلما جاء القرن السابع، تغيرت الدنيا، وما انتهى هذا القرن حتى كانت أقطار المغرب كلها ووادى النيل والأناضول والشام واليمن تفور بالإسلام، ويتعالى الأذان فى القارتين القديمتين! إن النصارى المخلصين استقبلوا الإسلام بترحاب ودخلوا فيه برغبة، ورأوا فى نبوة محمد تحقيق ما رأوه فى كتبهم. وقد صور الإسلام هذا فى سورة الإسراء "إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ". كما جاء فى سورة الرعد " والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ". وفى سورة العنكبوت " وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به "، يعنى من مشركى العرب!! والواقع التاريخى يؤكد أن امتداد الإسلام كان عظيما على الرقعة المسيحية، وأن توقفه بعد ذلك يعود لظروف داخلية لا مكان هنا لشرحها. وكما دخل النصارى فى الإسلام دخل المجوس والبوذيون ووثنيون كثير.. كيف تم هذا؟ إنه أثر القرآن الكريم! " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين " ـ تاركى عقائدهم الأولى ـ " حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة ". والقرآن قدير على تكرار تاريخه إذا وجد من يعرضه فطرة وفكرا وحضارة وطهارة، وهى صفات