الأول : أنها هي الرسول، ثم ذكروا في أنه لم سمي الرسول بالبينة وجوهاً الأول : أن ذاته كانت بينة على نبوته، وذلك لأنه عليه السلام كان في نهاية الجد في تقرير النبوة والرسالة، ومن كان كذاباً متصنعاً فإنه لا يتأتى منه ذلك الجد المتناهي، فلم يبق إلا أن يكون صادقاً أو معتوهاً والثاني : معلوم البطلان لأنه كان في غاية كمال العقل، فلم يبق إلا أنه كان صادقاً الثالث : أن مجموع الأخلاق الحاصلة فيه كان بالغاً إلى حد كمال الإعجاز، والجاحظ قرر هذا المعنى، والغزالي رحمه الله نصره في كتاب المنقذ، فإذاً لهذين الوجهين سمي هو في نفسه بأنه بينة الرابع : أن معجزاته عليه الصلاة والسلام كانت في غاية الظهور وكانت أيضاً في غاية الكثرة فلاجتماع هذين الأمرين جعل كأنه عليه السلام في نفسه بينة وحجة، ولذلك سماه الله تعالى : سراجاً منيراً.
واحتج القائلون بأن المراد من البينة هو الرسول بقوله تعالى بعد هذه الآية :﴿رَسُولٌ مّنَ الله﴾ فهو رفع على البدن من البينة، وقرأ عبد الله :﴿رَسُولاً﴾ حال من البينة قالوا : والألف واللام في قوله :﴿البينة﴾ للتعريف أي هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى، أو يقال : إنها للتفخيم أي هو :﴿البينة﴾ التي لا مزيد عليها أو البينة كل البينة لأن التعريف قد يكون للتفخيم وكذا التنكير وقد جمعهما الله ههنا في حق الرسول عليه السلام فبدأ بالتعريف وهو لفظ البينة ثم ثنى بالتنكير فقال :﴿رَسُولٌ مّنَ الله﴾ أي هو رسول، وأي رسول، ونظيره ما ذكره الله تعالى في الثناء على نفسه فقال :﴿ذُو العرش المجيد﴾ [ البروج : ١٥ ] ثم قال :﴿فَعَّالٌ﴾ [ البروج : ١٦ ] فنكر بعد التعريف.