القول الثاني : أن المراد من البينة مطلق الرسل وهو قول أبي مسلم قال : المراد من قوله :﴿حتى تَأْتِيَهُمُ البينة﴾ أي حتى تأتيهم رسل من ملائكة الله تتلوا عليهم صحفاً مطهرة وهو كقوله :﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كتابا مّنَ السماء﴾ [ النساء : ١٥٣ ] وكقوله :﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ [ المدثر : ٥٢ ].
القول الثالث : وهو قتادة وابن زيد : البينة هي القرآن ونظيره قوله :﴿أَوَ لَمْ تَأْتِيَهُمُ بَيّنَةُ مَا فِى الصحف الأولى﴾ [ طه : ١٣٣ ] ثم قوله بعد ذلك :﴿رَسُولٌ مّنَ الله﴾ لا بد فيه من مضاف محذوف والتقدير : وتلك البينة وحي :﴿رَسُولٌ مّنَ الله يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ﴾.
أما قوله تعالى :﴿يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ﴾ فاعلم أن الصحف جمع صحيفة وهي ظرف للمكتوب، وفي : المطهرة وجوه : أحدها : مطهرة عن الباطل وهي كقوله :﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] وقوله :﴿مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ﴾ [ عبس : ١٤ ]، وثانيها : مطهرة عن الذكر القبيح فإن القرآن يذكر بأحسن الذكر ويثني عليه أحسن الثناء وثالثها : أن يقال : مطهرة أي ينبغي أن لا يمسها إلا المطهرون، كقوله تعالى :﴿فِى كتاب مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ [ الواقعة : ٧٨، ٧٩ ].