في قوله : وما أمروا وجهان : أحدهما : أن يكون المراد :﴿وَمَا أُمِرُواْ﴾ في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، فيكون المراد أنهم كانوا مأمورين بذلك إلا أنه تعالى لما أتبعه بقوله :﴿وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾ علمنا أن ذلك الحكم كما أنه كان مشروعاً في حقهم فهو مشروع في حقنا وثانيها : أن يكون المراد : وما أمر أهل الكتاب على لسان محمد ﷺ إلا بهذه الأشياء، وهذا أولى لثلاثة أوجه : أحدها : أن الآية على هذا التقدير تفيد شرعاً جديداً وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى وثانيها : وهو أن ذكر محمد عليه السلام قد مر ههنا وهو قوله :﴿حتى تَأْتِيَهُمُ البينة﴾ [ البينة : ١ ] وذكر سائر الأنبياء عليهم السلام لم يتقدم وثالثها : أنه تعالى ختم الآية بقوله :﴿وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾ فحكم بكون ما هو متعلق هذه الآية ديناً قيماً فوجب أن يكون شرعاً في حقنا سواء قلنا : بأنه شرع من قبلنا أو شرع جديد يكون هذا بياناً لشرع محمد عليه الصلاة والسلام وهذا قول مقاتل.
المسألة الثانية :
في قوله :﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله﴾ دقيقة وهي أن هذه اللام لام الغرض، فلا يمكن حمله على ظاهره لأن كل من فعل فعلاً لغرض فهو ناقص لذاته مستكمل بذلك الغرض، فلو فعل الله فعلاً لكان ناقصاً لذاته مستكملاً بالغير وهو محال، لأن ذلك الغرض إن كان قديماً لزم من قدمه قدم الفعل، وإن كان محدثاً افتقر إلى غرض آخر فلزم التسلسل وهو محال ولأنه إن عجز عن تحصيل ذلك الغرض إلا بتلك الواسطة فهو عاجز، وإن كان قادراً عليه كان توسيط تلك الواسطة عبثاً، فثبت أنه لا يمكن حمله على ظاهره فلا بد فيه من التأويل.