ثم قال الفراء : العرب تجعل اللام في موضع أن في الأمر والإرادة كثيراً، من ذلك قوله تعالى :﴿يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ﴾ [ النساء : ٢٦ ] ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ﴾ [ الصف : ٨ ] وقال في الأمر :﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ﴾ [ الأنعام : ٧١ ] وهي في قراءة عبد الله :﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ أن يعبدوا الله﴾ فثبت أن المراد : وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين.
والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، والنية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة، فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلا بد وأن يكون منوباً، ثم قالت الشافعية : الوضوء مأمور به في قوله تعالى :﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ [ المائدة : ٦ ] ودلت هذه الآية على أن كل مأمور يجب أن يكون منوياً، فيلزم من مجموع الآيتين وجوب كون الوضوء منوياً، وأما المعتزلة فإنهم يوجبون تعليل أفعال الله وأحكامه بالأغراض، لا جرم أجروا الآية على ظاهرها فقالوا معنى الآية : وما أمروا بشيء إلا لأجل أن يعبدوا الله، والإستدلال على هذا القول أيضاً قوي، لأن التقدير وما أمروا بشيء إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين في ذلك الشيء، وهذا أيضاً يقتضي اعتبار النية في جميع المأمورات.
فإن قيل : النظر في معرفة الله مأمور به ويستحيل اعتبار النية فيه.
لأن النية لا يمكن اعتبارها إلا بعد المعرفة، فما كان قبل المعرفة لا يمكن اعتبار النية فيه.
قلنا : هب أنه خص عموم الآية في هذه الصورة بحكم الدليل العقلي الذي ذكرتم فيبقى في الباقي حجة.
المسألة الثالثة :