الإخلاص هو أن يأتي بالفعل خالصاً لداعية واحدة، ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل، والنكت الوعظية فيه من وجوه أحدها : كأنه تعالى يقول عبدي لا تسع في إكثار الطاعة بل في إخلاصها لأني ما بذلت كل مقدوري لك حتى أطلب منك كل مقدورك، بل بذلت لك البعض، فأطلب منك البعض نصفاً من العشرين، وشاة من الأربعين، لكن القدر الذي فعلته لم أرد بفعله سواك، فلا ترد بطاعتك سواي، فلا تستثن من طاعتك لنفسك فضلاً من أن تستثنيه لغيرك، فمن ذلك المباح الذي يوجد منك في الصلاة كالحكة والتنحنح فهو حظ استثنيته لنفسك فانتفى الإخلاص، وأما الإلتفات المكروه فذا حظ الشيطان وثانيها : كأنه تعالى قال : يا عقل أنت حكيم لا تميل إلى الجهل والسفه وأنا حكيم لا أفعل ذلك ألبتة، فإذاً لا تريد إلا ما أريد ولا أريد إلا ما تريد، ثم إنه سبحانه ملك العالمين والعقل ملك لهذا البدن، فكأنه تعالى بفضله قال : الملك لا يخدم الملك لكن ( لكي ) نصطلح أجعل جميع ما أفعله لأجلك :﴿هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم ما فِي الأرض جَمِيعاً﴾ [ البقرة : ٢٩ ] فاجعل أنت أيضاً جميع ما تفعله لأجلي :﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ [ البينة : ٥ ].
واعلم أن قوله :﴿مُخْلِصِينَ﴾ نصب على الحال فهو تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص من ابتداء الفعل إلى انتهائه، والمخلص هو الذي يأتي بالحسن لحسنه، والواجب لوجوبه، فيأتي بالفعل لوجهه مخلصاً لربه، لا يريد رياء ولا سمعة ولا غرضاً آخر، بل قالوا : لا يجعل طلب الجنة مقصوداً ولا النجاة عن النار مطلوباً وإن كان لا بد من ذلك، وفي التوراة : ما أريد به وجهي فقليله كثير وما أريد به غير وجهي فكثيره قليل.