الأول : قال مجاهد : متبعين دين إبراهيم عليه السلام، ولذلك قال :﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾ [ النحل : ١٢٣ ] وهذا التفسير فيه لطيفة كأنه سبحانه لما علم أن التقليد مستول على الطباع لم يستجز منعه عن التقليد بالكلية ولم يستجز التعويل على التقليد أيضاً بالكلية، فلا جرم ذكر قوماً أجمع الخلق بالكلية على تزكيتهم، وهو إبراهيم ومن معه، فقال :﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إبراهيم والذين مَعَهُ﴾ [ الممتحنة : ٤ ] فكأنه تعالى قال : إن كنت تقلد أحداً في دينك، فكن مقلداً إبراهيم، حيث تبرأ من الأصنام وهذا غير عجيب فإنه قد تبرأ من نفسه حين سلمها إلى النيران، ومن ماحين بذله للضيفان، ومن ولده حين بذله للقربان، بل روى أنه سمع سبوح قدوس فاستطابه، ولم ير شخصاً فاستعاده، فقال : أما بغير أجر فلا، فبذل كل ما ملكه فظهر له جبريل عليه السلام، وقال : حق لك حيث سماك خليلاً فخذ مالك، فإن القائل : كنت أنا، بل انقطع إلى الله حتى عن جبريل حين قال : أما إليك فلا، فالحق سبحانه كأنه يقول : إن كنت عابداً فاعبد كعبادته، فإذا لم تترك الحلال وأبواب السلاطين، أما تترك الحرام وموافقة الشياطين، فإن لم تقدر على متابعة إبراهيم، فاجتهد في متابعة ولده الصبي، كيف إنقاد لحكم ربه مع صغره، فمد عنقه لحكم الرؤيا، وإن كنت دون الرجل فاتبع الموسوم بنقصان العقل، وهو أم الذبيح، كيف تجرعت تلك الغصة، ثم إن المرأة الحرة نصف الرجل فإن الإثنتين يقومان مقام الرجل الواحد في الشهادة والإراث، والرقيقة نصف الحرة بدليل أن للحرة ليلتين من القسم فهاجر كانت ربع الرجل، ثم انظر كيف أطاعت ربها فتحملت المحنة في ولادها ثم صبرت حين تركها الخليل وحيدة فريدة في جبال مكة بلا ماء ولا زاد وانصرف، لا يكلمها ولا يعطف عليها، قالت آلله أمرك بهذا ؟ فأومأ